بالعودة إلى الماضي البعيد، وما قبل مئات السنين، نرى تاريخاً قديماً وأمجاداً عظيمة بقت آثارها حتى هذا اليوم، القلاع والحصون، المساجد والكنائس، وكأن القدماء قد بنوها لتبقى صامدةً حتى هذا اليوم ونتعرف من خلالها على تاريخهم العظيم، وليس لأجل فترةٍ قصيرة، فكان بناؤهم مميزاً، ودفاعهم محصناً، وقد اختاروا أفضل الأماكن الاستراتيجية التي تثبت عبقريتهم العسكرية، ومن هذه القلاع التي تميزت في مصر وكان لها صدى واسع، قلعة قايتباي في الإسكندرية، فما قصة هذه القلعة ومتى بُنيت وكيف؟ سنتعرف على كل ذلك معاً فتابعوا…
تاريخ بناء قلعة قايتباي في مصر:.
يعود تاريخ بناء قلعة قايتباي إلى سنة 1477م الموافق 882هـ، في عهد دولة المماليك الشراكسة من قبل السلطان المملوكي “الأشرف أبو النصر قايتباي”، ويعود اسم القلعة إليه، وقد تم تشييدها على أنقاض إحدى عجائب الدنيا السبع، منارة الإسكندرية، فبعد أن استمرت لقرونٍ عديدة هُدمت بسبب الزلازل التي وقعت في مصر خلال العصور الوسطى، وفي عهد المماليك الشراكسة تم هدمها بشكلٍ كامل، وبُنيت قلعة قايتباي في محلها لتحتل مكاناً دفاعياً ممتازاً، واستمر بناؤها لمدة عامين حتى عام 884هـ/ 1479م.
موقع قلعة قايتباي وتصميم البناء :.
بُنيت قلعة قايتباي في مكانٍ استراتيجي مطلة على مشهدٍ رائع، حيث تم بناؤها على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، في نهاية جزيرة قاروس بأقصى غرب مدينة الإسكندرية، مطلةً على البحر في مشهدٍ مهيبٍ ورائع، وبدفاعٍ قوي يحمي مصر من أي مخاطر خارجية ولصد أي عدوان.
تحتل قلعة قايتباي مساحةٍ كبيرة تصل إلى 17550 مترٍ مربع، بشكلٍ مربعي، يصل ارتفاع ضلعها إلى 17 متراً وطوله 30 متراً، من الحجارة الجيرية الصلبة، وهي مكونة من ثلاثة طوابق، لكل ركنٍ من أركانه الأربعة برجٌ دائري ذو ارتفاعٍ أعلى من القلعة ذاتها (البرج الرئيسي)، ووهي أبراجٌ دفاعية تنتهي بشرفاتٍ بارزة مع فتحاتٍ لرمي السهام عند الدفاع عن القلعة.
الطابق الأول هو مسجدٌ يتميز بصحنه الجميل، وبممراته الواسعة للجنود، وأما الطابق الثاني يضم غرفاً للقائمين على القلعة مع القاعات الفسيحة والممرات، وأما الطابق الثالث فهو مقعد السلطان، وكان السلطان قايتباي يشاهد السفن البعيدة من خلال هذا الطابق ولو كانت على بعدٍ يومٍ من مدينة الإسكندرية، ويضم هذا الطابق مخبزاً وطاحونةً للحبوب.
وإنه لمن الضروري أن نتحدث عن أسوار قلعة قايتباي الكبيرة، والتي تنقسم إلى سورٍ داخلي وآخر خارجي، متوسط ارتفاعها 8 أمتار تقريباً، بُنيت من الأحجار الضخمة التي لا يمكن اختراقها لتكون حصناً منيعاً يتصدى لأي هجومٍ خارجي، ويحيط سورها الداخلي بالقلعة من كل الجهات، ويضم حجراتٍ متجاورة كانت لسكن الجنود ولتخزين الأسلحة، وبها فتحاتٌ للتهوية والدفاع، وأما السور الخارجي فيضم أبراجاً دفاعية من جهاته الأربعة مرتفعة إلى مستوى السور نفسه.
ترميم قلعة قايتباي من قبل السلاطين والحكام على مر العصور :.
حازت القلعة على اهتمامٍ كبير من السلاطين والحكام على مر العصور، حيث حصلت على إضافاتٍ وترميماتٍ من قبل العديد منهم، ففي العصر المملوكي تم زيادة نظام الحماية والعتاد والسلاح من قبل السلطان “قانصوه الغوري”، وفي الحكم العثماني تم الحفاظ على قلعة قايتباي لتصبح مكاناٍ للجنود بمختلف أطيافهم، كالفرسان والمشاة والمدفعية، وقد شددوا نظام الحماية باعتبارهم القلعة البوابة الرئيسية لمصر بالساحل الشمالي، وذلك حتى عام 1789م عندما استولت عليها فرنسا بقيادة نابليون بعد ضعف الدولة العثمانية، لتحصل على بعض التطورات في عهد محمد علي باشا لتناسب النظام الدفاعي الجديد للقرن التاسع عشر، فجُددت أسوارها وتمت تقويتها، مع إضافة عدة حصون تم توزيعها على طول الساحل الشمالي لمصر، وزودت القلعة بالمدافع الساحلية أيضاً.
قلعة قايتباي في الوقت الحالي:.
تم إصلاح أضرار القلعة عام 1904م، والتي أصابتها بسبب الاحتلال الإنجليزي في مصر، وهناك مشروعٌ سيزيد من قوة القلعة تحضره الحكومة المصرية، حيث سيتم إنشاء حواجز غاطسة لحماية القلعة من التآكل الذي تسببه الأمواج، مع ترميم الصخرة الأم، كما سيتم بناء جدار محيط بالقلعة على بعد 15 متراً من الأسوار الخارجية لها.
تفتح قلعة قايتباي أبوابها للزوار كافة أيام الأسبوع من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الخامسة مساءً.
سعر بطاقة الدخول 30 جنيه وقد تختلف مع المواسم السياحية.